حصرية السلاح بيد الدولة... واحد من بنود الطائف لا كل الطائف بقلم الإعلامي خضر رسلان يُطرح اتفاق الطائف منذ توقيعه عام 1989
حصرية السلاح بيد الدولة... واحد من بنود الطائف لا كل الطائف
بقلم الإعلامي خضر رسلان
يُطرح اتفاق الطائف منذ توقيعه عام 1989 بوصفه المرجعية الدستورية والسياسية لبناء الدولة اللبنانية. غير أنّ مقاربة هذا الاتفاق خلال العقود الماضية، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، اتّسمت بالانتقائية، إذ جرى اختزال الطائف في بند واحد هو حصرية السلاح بيد الدولة، فيما أهملت بقية البنود التي لا تقلّ أهمية بل تشكّل الركائز الأساسية لإعادة تكوين الدولة.
أولاً: بنود الطائف الأساسية
نصّ الاتفاق على جملة إصلاحات جوهرية، أبرزها:
1. إلغاء الطائفية السياسية بوصفها هدفاً وطنياً، ووضع خطة مرحلية لذلك.
2. إنشاء مجلس شيوخ يتمثّل فيه الطوائف في القضايا المصيرية، بما يتيح لمجلس النواب أن يتحرر من القيد الطائفي ويصبح ساحة للمواطنة.
3. إقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، بحيث يصبح الفرد اللبناني هو وحدة التمثيل السياسي.
4. ضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين.
5. حصرية السلاح بيد الدولة، كجزء من استراتيجية الدفاع وبناء مؤسسات الدولة.
إلّا أنّ التطبيق جاء مجتزأً: فقد طُبّق ما يخدم موازين القوى والظروف الداخلية والخارجية، وتُركت البنود الإصلاحية الكبرى معلّقة حتى اليوم.
ثانياً: في مسألة السلاح المقاوم
لا شك أنّ بند السلاح الذي دوره مقاومة الاحتلال ورد في الطائف، لكن مقاربته خارج إطار استراتيجية دفاعية وطنية تحوّله إلى عنوان سياسي فارغ، يُستعمل لتصفية الحسابات أو لتلبية مطالب خارجية. من الواضح أنّ الضغوط التي تُمارس لطرح هذا البند منفرداً تأتي في معظمها من دول تتحرك في الفلك الإسرائيلي، الذي ينتهك السيادة اللبنانية يومياً:
خروقات جوية شبه يومية للمجال الجوي اللبناني.
اعتداءات متكررة على المياه الإقليمية.
تهديدات مستمرة بالعدوان العسكري.
في ضوء هذه الوقائع، يفرض السؤال نفسه: هل الدولة اللبنانية قادرة وحدها اليوم على حماية شعبها وأرضها وسيادتها من هذه الاعتداءات؟ التجربة العملية تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول القدرة على ذلك
إسرائيل ما زالت جاثمة على أراضي لبنانية محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا هذا فضلا عن نقاط تضع اليد عليها في مخالفة صريحة للقرار الاممي 1701
مجلس الأمن أصدر عشرات الإدانات للخروقات الإسرائيلية، من دون أن تترجم إلى إجراءات رادعة.
الجيش اللبناني، رغم كفاءته، يعاني من نقص مزمن في العتاد والتسليح بسبب القيود الاميركية.
هذه المعطيات تؤكد أن البحث في بند السلاح لا يمكن أن يتمّ خارج رؤية متكاملة للأمن القومي، بل ضمن استراتيجية دفاعية وطنية توازن بين متطلبات السيادة ومقتضيات الحماية.
ثالثاً: ازدواجية المعايير في مقاربة الطائف
الذين يرفعون شعار "تطبيق الطائف" كلما ذُكر السلاح، يلوذون بصمت مطبق حين يتعلّق الأمر ببقية البنود الإصلاحية.
إلغاء الطائفية السياسية ظلّ شعاراً بلا آليات تنفيذية، رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود.
مجلس الشيوخ لم يُنشأ حتى الآن، رغم أنه أحد أعمدة الطائف التي تتيح تحرير مجلس النواب من القيد الطائفي.
قانون الانتخاب بقي محصوراً ضمن القيد الطائفي والمذهبي، والدليل الانتخابات الأخيرة عام 2022 التي عمّقت الانقسام الطائفي بدل تجاوزه.
هذا الصمت الانتقائي ليس عفوياً، بل تتحمّل مسؤوليته قوى سياسية معروفة، في مقدمتها تلك التي ترفع شعارات "السيادة" و"الدولة القوية"، فيما تمارس سياسة الكيل بمكيالين: تصرخ في موضوع السلاح، لكنها تخرس تماماً عندما يُطرح إلغاء الطائفية أو إنشاء مجلس الشيوخ أو صياغة قانون انتخاب عصري.
خلاصة
اتفاق الطائف ليس نصاً للتجزئة، ولا أداة في الصراعات الداخلية أو الدولية. إنّه مشروع متكامل لإعادة بناء الدولة اللبنانية على قاعدة المواطنة، المساواة، وتكافؤ الفرص. لذلك:
أي نقاش جدي حول بند السلاح يجب أن يتم في إطار استراتيجية دفاعية وطنية تأخذ بعين الاعتبار الاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية.
أي دعوة لتطبيق الطائف يجب أن تكون كلية ومتزامنة، تشمل إلغاء الطائفية السياسية، إنشاء مجلس الشيوخ، وإقرار قانون انتخاب وطني، لا أن تُختزل ببند واحد.
أما الاستمرار في هذا النهج الانتقائي، فلن يعني سوى أمر واحد: التلاعب بالطائف وتحويله من خريطة طريق لبناء الدولة إلى ورقة ضغط بيد الخارج، وأداة للاستهلاك السياسي الداخلي.
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها